Posted by : مجالي البوق السبت، 5 أبريل 2014



تواطؤ الرؤى:

كان الكلام فيما سبق متعلقًا بالعملِ برؤيا واحدة, وأن العمل بها مرهونٌ بعدمِ مخالفتها للشرعِ, و إذا دلت القرائن الحسية أو الشرعية على صدقها فإنه يُعمل بها كذلك, وإذا كان العمل بالرؤيا هو من بابِ العملِ بالظنِّ - كما تَقَدَّمَ الكلامُ عليه - وأنَّ هذا مستفادٌ من قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ}[1], فالرؤيا  تُفيدُ الظنَّ ومع ذلك يجوز العملُ بها, ولكن إذا تواطأت الرؤى فإنَّ الأمرَ في هذا يختلف وتقوى رتبةُ الرؤى المتواطئة لتنتقل إلى درجةِ العلم اليقيني والقطعي, وليس الظني فقط كما سيأتي.




 -  حديث عبد الله بن زيد في رؤيا الأذان:

عن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: لما أصبحنا أتينا رسول الله - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ - فأخبرتُه بالرُّؤيا فقالَ: " إنَّ هذِه لرؤيا حقٍّ، فقم معَ بلالٍ فإنَّهُ أندى وأمدُّ صوتًا منكَ فألقِ عليهِ ما قيلَ لَك ولينادِ بذلِك،" قالَ: فلمَّا سمعَ عمرُ بنُ الخطَّابِ نداءَ بلالٍ بالصَّلاةِ خرجَ إلى رسولِ اللهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ - وَهوَ يجرُّ إزارَه وَهوَ يقولُ: يا رسولَ اللهِ، والَّذي بعثَك بالحقِّ لقد رأيتُ مثلَ الَّذي قالَ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ -: " فللَّهِ الحمدُ فذلِك أثبتُ ".[2]

وهذا الحديث يدل على أنَّ الرؤيا إذا انضمت إليها أخرى مثلها, فإنَّ هذا يزيدها قوةً ووضوحًا وثباتًا, ومع أنَّ قولهُ - صلى الله عليه وسلم - : " إن هذهِ لرؤيا حق" يُعتبر كافيًا في إثبات صدقها وصحتها واستقامتها, إلا أنه لما جاءهُ عمر - رضي الله عنه - وأخبرهُ أنّهُ رأى مثل ذلك حمدَ الله وجعلَ هذهِ الرؤيا المُؤكِّدَة للرؤيا الأولى نوعًا من الإثبات؛ مما يجعلُ حكم الرؤيا الواحدة يختلف عن حكم الرؤى المتعددة المتواطئة.


-  أرى رؤياكم قد تواطأت:

ومما يُعتَمدُ في تقرير مسألةِ تواطؤ الرؤى, حديث عبد الله بن عُمر - رضي الله عنهما - : أن رجالًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر؛ فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر".[3]

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بنى على هذه الرؤى المتواطئة في تحديد وحصر ليلة القدر - في تلك السنة - في السبع الأواخر, مع أنه في أحاديث أخرى كان يرشد إلى التماس ليلة القدر في العشر الأواخر جميعها. وقد علق الشاطبي - رحمه الله - على هذا الحديث وما يماثله بقوله: " فهذا بناءٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم - على رؤيا النوم"[4]، وهذا يدلك على أن شأن الرؤيا عظيمٌ وبخاصةٍ إذا تواطأت الرؤى؛ كون النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمد عليها في تحديد ليلة القدر في ذلك العام.

قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى - في ذكر الفوائد المستنبطة من هذا الحديث: " ويستفاد من الحديث أن توافق جماعةٌ على رؤيا واحدةٍ دالٌّ على صدقها وصحتها, كما تستفاد قوة الخبر من التوارد على الإخبار من جماعة"[5] .

فهو - رحمه الله - يرى أن الرؤيا حينما يأتي ما يؤكدها ويؤيدها من الرؤى الأخرى فإن هذا يعطيها قوةً - كما يزداد الخبرُ قوةً بتعدد المخبرين -, علاوةً على أن هذا التواطؤ والتوافق يدل على أن الرؤيا صادقةٌ وصحيحة، فإن كان احتمال الكذب والخطأ وعدم الصدق وعدم الصحة قد يتطرق إلى الرؤيا الواحدة فإن هذا الاحتمال يزول ويتلاشى بتعدد الرؤى وتواطئها وتوافقها على نفس الأمر والقضية، وسيأتي في كلام العلماء ما يوضح هذا الأمر بجلاء.

وقال أيضًا في موضع آخر في فوائد هذا الحديث: " وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِ الرُّؤْيَا وَجَوَاز الِاسْتِنَاد إِلَيْهَا فِي الِاسْتِدْلَال عَلَى الْأُمُور الْوُجُودِيَّةِ بِشَرْطِ أَلا يُخَالِفَ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ" اهـ[6].

وقد نقل عنه هذه الفائدة الشوكاني في نيل الأوطار[7] والصنعاني في سبل السلام[8] ، ولتوضيح هذه الفائدة أسوق ما ذكره ابن دقيق العيد في شرحه على عمدة الأحكام حيث قال: " والاستناد إلى الرؤيا ههنا في أمرٍ ثبت استحبابه مطلقًا، وهو طلب ليلة القدر، وإنما تُرَجَّحُ السبع الأواخر لسبب المرائي الدالة على كونها في السبع الأواخر وهو استدلالٌ على أمرٍ وجوديّ، إنه استحبابٌ شرعيٌّ مخصوصٌ بالتأكيد - بالنسبة إلى هذه الليالي - مع كونه غير منافٍ للقاعدة الكلية الثابتة من استحباب طلب ليلة القدر. وقد قالوا: يُستَحَبُّ في جميع الشهر"[9].

فهذا يُفيدُ أنَّ الاستنادَ إلى الرؤى في الدلالة على أمرٍ وجوديٍّ أمرٌ جائزٌ دلَّ عليه الحديث, والاستنادُ على الرؤيا هو اعتمادٌ عليها؛ ولذلكَ فإنَّ القول بأنَّ الرؤى لا يُعتمد عليها منافٍ لما دلَّ عليهِ هذا الحديث إلّا إنْ قُصد ألاّ يُعتمد عليها في تقرير أحكامٍ شرعيةٍ فهذا يصح إذا كانَ تقريرها لهذا الحكم الشرعي يُخالفُ ما جاءت بهِ الشريعة.





ابن تيمية وتواطؤ الرؤى:


لم أجد أثناء قراءتي في المسائل المتعلقة بالرؤى وما تُفيدهُ وأحكام العمل بها في كتب المتقدمين مَنْ تكلمَ في مسألةِ الرؤى المتواطئة مثل شيخ الإسلام "ابن تيمية" - رحمه الله - ثم تلميذهُ " ابن القيم" - رحمه الله -, فلهما كلامٌ نفيسٌ وجليلٌ في هذه المسألة - أعني تواطؤ الرؤى -.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
" والقول بكون الرجل المعيَّن من أهل الجنة قد يكون سببه إخبار المعصوم، وقد يكون سببه تواطؤ شهادات المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض، كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه و سلم - أنه مُرّ عليه بجنازةٍ فأثنوا عليها خيرًا، فقال: «وجبت وجبت»، ومُرّ عليه بجنازةٍ فأثنوا عليها شرًّا ،فقال: «وجبت وجبت»، فقالوا: يا رسول الله، ما قولك وجبت وجبت؟ قال: «هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرًا، فقلت: وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرًّا،فقلت وجبت لها النار. أنتم شهداء الله في الأرض» [10]
وفي المسند عن النبي - صلى الله عليه و سلم - أنه قال:«يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار، قالوا بم يا رسول الله؟ قال:بالثناء الحسن، والثناء السيء»[11].
وقد يكون سبب ذلك تواطؤ رؤيا المؤمنين؛ فإن النبي - صلى الله عليه و سلم - قال: «لم يبق بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها الرجل المؤمن الصالح أو تُرى له»[12].
وسُئِل عن قوله - تعالى -: "لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة"  قال:«هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له»[13].
وقد فسرها أيضًا بثناء المؤمنين، فقيل: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل لنفسه، فيحمده الناس عليه فقال:«تلك عاجل بشرى المؤمن»[14].
والرؤيا قد تكون من الله، وقد تكون من حديث النفس، وقد تكون من الشيطان، فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على أمرٍ كان حقًّا - كما إذا تواطأت رواياتهم أو رأيهم؛ فإن الواحد قد يغلط أو يكذب وقد يخطىء في الرأي أو يتعمد الباطل، فإذا اجتمعوا لم يجتمعوا على ضلالة، وإذا تواترت الروايات أورثت العلم، وكذلك الرؤيا. قال النبي - صلى الله عليه و سلم -:«أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في السبع الأواخر فمن كان منكم متحريها فيلتحرها في السبع الأواخر»[15] .اهـ"[16]

وقد أكدَّ هذه المسألة في الاختيارات حيث قال: "ولا يُشهَد بالجنة إلا لمن شَهِد له النبي أو اتفقت الأمة على الثناء عليه - وهو أحد القولين -. وتواطؤ الرؤيا كتواطؤ الشهادات "[17].


ومن هذا الكلام ندركُ ما يدلُّ عليهِ تواطؤ الرؤى من أمورٍ - عند شيخ الإسلام - وهي كما يلي:

1. أنَّ الرؤى المتواطئة على أمرٍ تدلُّ على أنَّ هذا الأمرَ حق.

2. أنَّ تواطؤ الرؤى كتواطؤ الروايات, وهو ما يُعرف بالتواتر.

3. أنَّ تواطؤ الرؤى كتواتر الروايات تُفيدُ العلم وليس مُجرد الظن.

4. أنَّ تواطؤ الرؤى كتواطؤ الشهادات[18].

وأبرزُ ما يدلُّ عليه هذا الكلام مسألةُ الحكم على شخص مُعيّنٍ بأنّهُ من أهل الجنّة, وهو أمرٌ عَقَديٌّ وغَيبيّ: أمرٌ عَقَديٌّ يتعلقُ بالاعتقادِ، فيجوزُ على هذا أنْ يعتقد المسلم أنَّ فلانًا من النّاس من أهل الجنّة؛ بناءً على الرؤى المتواطئة المتوافقة التي رؤيت في هذا الرجل أو في تلك المرأة، والتي تدلُّ على أنّهُ من أهلِ الجنّة - مع أنَّ هذا أمرٌ غيبيٌّ - وقد قدّم ابن تيمية مُستَندهُ في هذا الفقه وهو حديثُ ابن عُمر في تواطؤ الرؤى, ولا يخفى عليكَ فضلُ وعلمُ شيخِ الإسلام, ولم أرَ مَنْ خالفهُ في هذا الرأي أو قال بتخطئتهِ - مستندًا إلى دليل -, بل هناك من وافقهُ من المتأخرينَ - ممن جاء بعده -.

وإذا كانَ للرؤى المتواطئة مدخلٌ في معرفةِ الشخص المُعيّن أنَّهُ من أهل الجنة - وهو أمرٌ غيبيّ - فلأنْ يكونَ لها دورٌ في تعيين بعض الشخصيات الغيبية[19] من بابِ أولى وأحرى، وذلك أن هذه الأمور الغيبية لا يمكن التوصل إلى معرفتها إلا بالطرق التي يمكن من خلالها معرفة الغيب والتي من أبرزها وأهمها الرؤى، فإن كان تواطؤها طريقًا للحكم على شخصٍ بأنه من أهل الجنة - وهو غيبٌ - فكذلك يمكن - كما يرى شيخ الإسلام - أن تكون طريقًا للحكم على شخصٍ بأنه المعنيُّ بالشخصية التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - مما هو من علامات الساعة التي تُعَدُّ أمورًا غيبية، لا فرق بين هذا وهذا، ولذلك كانَ لا بُدَّ من ذكر الضوابط في هذه المسألة - أعني تواطؤ الرؤى - حتى لا يحصُلَ بسببها ضلالٌ وفتنةٌ - كما سأبينهُ فيما بعد -.


وقد تبع ابن القيم - رحمه الله تعالى - شيخهُ ابن تيمية - رحمه الله - في مسألة تواطؤ الرؤى فقال بعد ذكره لحديث ابن عُمر - رضي الله عنهما -:« أرى رؤياكم قد تواطأت ...الحديث » ما نصه: " فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على شيءٍ كان كتواطؤ روايتهم له، وكتواطؤ رأيهم على استحسانه واستقباحه، وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحًا فهو عند الله قبيح"[20].

و قال في موضعٍ آخر "وإذا تواطأت رؤيا المسلمين لم تكذب، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه لما أُرُوا ليلة القدر في العشر الأواخر، قال: « أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر فمن كان منكم متحريها فليتحرها في العشر الأواخر من رمضان » [21]أهـ"[22].

فالتواطؤ عند ابن القيم معيارٌ لصدق الرؤيا، و هو بهذا يوافق ابن حجر - فيما نقلناه عنه من الفوائد التي دل عليها حديث ابن عمر - و قوله: إن توافق جماعةٍ على رؤيا واحدةٍ دالٌّ على صدقها و صحتها،  وقد تقدم أن من شرط العمل أن تكون صادقة، وإذا كانت الرؤى المتواطئة صادقة فهل يمكن أن تأتي مخالفةً للشرع؟! يجيب عن هذا ابن القيم فيقول "فإن قيل: فما تقولون إذا كانت رؤيا صادقةً أو تواطأت؟ قلنا: متى كانت كذلك استحال مخالفتها للوحي، بل لا تكون إلا مطابقةً له، منبِّهةً عليه، أو منبِّهةً على اندراج قضيةٍ خاصةٍ في حكمه، لم يعرف الرائي اندراجها فيه، فيتنبَّه بالرؤيا على ذلك"[23].


و ممن وافق شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه المسألة من المعاصرين الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى -, فحينما سُئل عن معنى كلام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية و الذي أوردناه سابقًا "إن تواطؤ الرؤى كتواطؤ الشهادات" أجاب الشيخ بقوله: "معناه أن الرؤيا إذا تواطأت واتفقت فهي كتواطؤ الشهادات؛ يعني أنها تقوى. مثال ذلك: إذا رأى ثلاثةٌ أو أربعةُ ليلة القدر في ليلة خمسٍ وعشرين، فهذا هو تواطؤ هذه الرؤى، فيدل ذلك على أن لها أصلاً، وإذا شهد رجلان على شخصٍ ثم شهد ثالثٌ ورابعٌ، فالشهادة الثالثة والرابعة تقوِّي شهادة الرجلين الأوَّلَين، وما قاله شيخ الإسلام - رحمه الله - في هذه المسألة صحيحٌ ومستندٌ إلى قول الرسول - عليه الصلاة والسلام - للجماعة الذين أُرُوا ليلة القدر: "أَرَى رؤياكم قد تواطأت ]لأنهم رأوا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان[ فمَن كان متحريها فليتحرَّها في السبع الأواخر"[24].

فهذا تأصيلٌ مهمٌ في مسألة تواطؤ الرؤيا لشيخ الإسلام ابن تيميّة، وتلميذه ابن القيم، ثم الشيخ ابن عثيمين - رحمهم الله جميعًا -، وكما ذكرتُ سابقًا، فإن أكثر من تكلّم وخاض في مسائل الرؤى وشرح الأحاديث المتعلِّقة بها - بحسب ما اطّلعْتُ عليه - لم يتعرّض لمسألة تواطؤ الرؤى وحجِّيتها عدا ما ذكره ابن حجر - رحمه الله - في فوائد حديث ابن عمر- كما تقدّم -, وكان ابن تيميّة هو من حظي بالنظر في هذه المسألة وتأصيلها وتنزيلها على بعض الفروع، وذلك فيما ذكره بخصوص القول في كون الشخص المعيّن من أهل الجنة، وأن لتواطؤ الرؤى مدخلاً في هذا الأمر.






ضوابط الرؤى المتواطئة:


ونظرًا لأهمية هذه المسألة وحساسيّتها البالغة بل وخطورتها فيما قد يترتب عليها كان لا بد من ذكر بعض الضوابط التي يُعرَف من خلالها تواطؤ الرؤى، وكيف نحكم بأن هذه الرؤى قد تواطأت؛ وذلك لأن كثيرًا من الناس قد يدّعي أن الرؤى تواطأت في أمرٍ ما، أو حدثٍ، أو قضيةٍ، ولا يكون الأمر كذلك، وهذا بسبب الجهل بالرؤى وتعبيرها من جهة، والجهل بضوابط التواطؤ في الرؤيا من جهةٍ أخرى.

إن المتأمل فيما ذكره شيخ الإسلام ابن تيميّة وتلميذه ابن القيّم من اعتبارهم وتنزيلهم الرؤى منزلة الأخبار والروايات والآراء وأن تواطؤ الرؤى كتواتر الروايات يستنتجُ أنه لا بد من وجود ضوابط في مسألة تواطؤ الرؤيا - كما أن هناك ضوابطَ في مسألة تواتر الروايات -، وإن من أهم ما يميز مسألة تواتر الروايات حول النقل بين طبقات السند أن يكون عن أناسٍ يستحيلُ تواطؤهم على الكذب - في العادة -، وفي مسألة تواطؤ الرؤيا ينبغي أن تكون الرؤى المتواطئة بعيدةً عن احتمال أن يكون أصحابها واقعين في كذب الرؤيا، ولشرح هذا نقول: إن التواطؤ هنا يتعلّق بالرؤى؛ ولذلك كان لا بد من اعتبار شرط بُعد الرؤيا عن الكذب، والكذب في الرؤيا معناه ألاّ تكون صادقة، والرؤى غير الصادقة قسمان: حديثُ النفس والأضغاث.

فأما الأضغاثُ فهي من الشيطان وأمرها واضحٌ لا يخفى- غالبًا -؛ لما تشتمِل عليه من التناقضات بين شواهد الرؤيا مما يُعد من تلاعب الشيطان، بالإضافة إلى العلامات التي تميِّزُ رؤى الأضغاث من التحزين، والتخويف، والأهاويل، وما شابه ذلك، لكنّ ورود الخطأ يكون في الرؤى التي من قبيل حديث النفس؛ فإن هذا النوع من الرؤى نوعٌ محتمِلٌ ومشتبِهٌ عند التعبير، فهي قد تكون رؤيا صريحةً أو شبه صريحة، وقد تكون رؤيا من حديث النفس، والتمييز بينهما يكاد يكون متعذِّرًا - إلا إذا عَرف المعبّرُ الظروف والأحداث المحيطة بالرائي وقت حصول الرؤيا -.

وحتى نَسْلمَ من الوقوع في هذا الخطأ المتعلِّقِ بالرؤى التي هي من قبيل حديث النفس ومن ثَمّ نحكُم على ما اجتمع عندنا من رؤى بأنها متواطئةٌ فإنه ينبغي معرفةُ الضوابط التي تُبعِدُنا عن الوقوع في هذا الخطأ، وهي كما يلي:

1- حتى تكون الرؤى متواطئةً ينبغي أن يكون أصحابها من أماكن متفرِّقةٍ لا توجد بينهم صِلةٌ - إذا كانت الرؤى صريحة -، ولبيان هذا الضابط نقول: حينما تجتمعُ عندنا رؤى لأناسٍ يسكنون في منزلٍ واحدٍ مثلاً وتتفق رؤاهم على قضيةٍ معيَّنةٍ فإن احتمال أن تكون رؤاهم من قبيل حديث النفس احتمالٌ واردٌ قويٌّ؛ وذلك لما يكون بينهم من تواصلٍ وحديثٍ في اليقظة قد ينعكس على مناماتهم، ومثل هذا أن تكون هناك جماعةٌ من الناس في مكانٍ معينٍ أو كانوا متفرّقين ولكنهم مشتغلون بقضيةٍ واحدةٍ ثم رأوا رؤى متوافقةً في قضيةٍ معينةٍ فالحكم بأنّ التواطؤ قد حصل في رؤاهم غير صحيح؛ لاحتمال أن تكون هذه الرؤى من قبيل حديث النفس، لكن إن اجتمعت عندنا رؤى متوافقةٌ في قضيةٍ معينةٍ من أشخاصٍ متباعدين لا يجمعهم محلٌّ واحدٌ أو فكرٌ واحدٌ في أمرٍ معيّنٍ فعند ذلك يمكن الحكم على هذه الرؤى بأنها متواطئة.


2- الابتعاد عن الرؤى الصريحة والاكتفاء بالرؤى المرموزة (التي هي من باب ضرب الأمثال):

ولشرح هذا الضابط من ضوابط تواطؤ الرؤى نقول: إن الرؤى الصريحة هي التي لا تحتاجُ إلى تفسير؛ لأنه ليس فيها رموزٌ تُفَسَّر، فهذه تسمّى رؤى صريحة، ولتوضيح ذلك نورد الأمثلة التالية:


-  مثال السجين:

 فإذا رأت الأم التي لها ابنٌ مسجونٌ في منامها أن ابنها خرج من السجن ودخل عليها في المنزل فهذه رؤيا صريحة قد تكون صادقةً ويقع تأويلها - كما رأت -، وقد تكون من حديث النفس؛ لاشتغال فكرها بهذا الأمر، ولها وجهٌ ثالثٌ - يخفى على الكثير من الناس وليس له علاقةٌ بخروج الابن من السجن أصلاً - يُفَسَّرُ بأمرٍ يتيسَّرُ لها.

وقد يرى أفرادٌ من عائلته القريبين رؤى أنه خرج من السجن، وهذه كلُّها رؤى صريحة - قد تكون صادقةً وقد تكون من حديث النفس -، فالجزم هنا بأن الرؤى تواطأت في خروج هذا السجين لا يُمكِن؛ لاحتمال أن تكون من حديث النفس، لكن لو قُدِّرَ أن الأم رأت أن ابنها مات، ورأى أحد افراد عائلته أن هذا السجين حُكِمَ عليه بالقصاص، ورأى آخرُ من يُخبِره في المنام أن هذا السجين مات، ورأى رابعٌ أن هذا السجين يرتدي ملابس غير معتادة - كما لو رآه يلبس قميصًا وبنطالاً أو بذلةً كاملة - فهذه رؤى مرموزةٌ تدلُّ على شيءٍ واحد وهو تغيُّر حال هذا السجين الذي يُفَسَّر - في هذه الحال - بخروجه من السجن؛ فالموتُ والقصاصُ يرمزان لانتهاء حياة السجن، ولبسُه في المنام لباسًا غير مُعتَاد يُفَسَّرُ بتغيُّر الحال وهو هنا خروجه من السجن، فهذه الرؤى المتعددة المرموزة يمكن الحكم بأنها رؤى قد تواطأت على خروج هذا السجين من السجن - مع أن أصحاب هذه الرؤى قد يكونون من عائلةٍ واحدةٍ وتُشغلِهم قضية هذا السجين -، لكن لمّا كانت رؤاهم مرموزةً غير صريحةٍ حكمنا بأنها متواطئة؛ لبعد هذه الرؤى المرموزة عن حديث النفس.


 -  مثال العفو عن السجناء:

ومن ذلك أن السجناء وأهليهم يرون في المنام رؤى صريحةً تدل على حصول عفوٍ عامٍّ يشمل جميع السجناء مثل رؤيا تتكرر يرى فيها الرائي من هؤلاء أن الملك أصدر عفوًا عامًا عن جميع السجناء, وبعضهم يرى صورة الملك على شاشة التلفزيون ثم ظهور كلماتٍ مكتوبة: صدور عفو شامل عن جميع السجناء, أو يرى الرائي منهم أن السجناء خرجوا من السجن وأصبح السجن خاليًا, فهذه رؤى صريحة لا تحتاج إلى تفسير - وهي رؤى فعلية وليست افتراضية - ولكن البناء على هذه الرؤى والحكم بأنها رؤى متواطئة قد يكون غير صحيح؛ لأن احتمال كونها من حديث النفس احتمالٌ قويٌّ كونها صادرةً عن أناسٍ اشتغل فكرهم بهذا الأمر - وهو حصول الإطلاق والخروج من السجن -، ولكن حينما تأتي رؤى مرموزةٌ ليست صريحة - من باب ضرب الأمثال - فإنها حينئذٍ تفيد التواطؤ، ومن أمثلة هذه الرؤى - وهي فعليةٌ أيضًا -من رأى أن حريقًا شب في بعض أجنحة السجن ثم انتشر حتى شمل السجن كله ثم جاءت  طائرات وجعلت تنقل هؤلاء السجناء إلى منازلهم في مدنهم التي هم منها (هذه الرؤيا في عام 1425هـ) فالنار هنا تُفسر بحصول منفعةٍ عامةٍ لجميع السجناء يحصل بموجبها خروجهم ورجوعهم إلى منازلهم.

ومثل ذلك - أيضًا - من رأى أن الحكومة أصدرت حكمًا بالإعدام على جميع سجناء الحاير(هذه الرؤيا في عام 1428هـ) فالإعدام هنا يرمز لحصول عفوٍ لجميع السجناء،  والحاير هنا رمزٌ ومثال؛ فلا يختص العفو بسجن الحاير دون غيره من السجون.

و مثله من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له: ادعُ لي كل السجناء, قال الرائي: فدعوت السجناء كلهم وجمعتهم، فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -:

أهؤلاء كل السجناء؟  فقال الرائي: نعم يا رسول الله, فقال - عليه الصلاة والسلام -: فإني أشهد الله بأن الله قد أذن لكم بالفرج. (هذه الرؤيا في عام 1431هـ)، ورؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - حقٌّ وهكذا جاءت رؤى أخرى كثيرة مرموزة تحتاج إلى تفسير وتفسيرها يصبُّ في معنى واحد، وهو: خروج السجناء كلهم, فهذه الرؤى يمكن الحكم عليها بأنها قد تواطأت على حصول عفوٍ عامٍّ يشمل السجناء كلهم.

وأما توقيت هذا العفو فالله أعلم به، لكن وردت رؤى قليلة تشير إلى هذه السنة - 1435هـ - بعضها قديمٌ وبعضها حديثٌ، غير أنه لا يمكن الجزم بأنها متواطئةٌ في توقيت العفو بهذا العام؛ وذلك لأن أكثرها صريحٌ فيُخشى أن تكون من قبيل حديث النفس، وبعضها مرموزٌ لكنه مرموزٌ يشير إلى حصول شيءٍ في هذه السنة - 1435هـ - وأنه نصرٌ ولكن لا يُفصِح عن ماهية هذا النصر ونوعه إلا أن الرؤى قد اتفقت على توقيت هذا العفو بعلامةٍ سياسيةٍ وهي حصول حدثٍ سياسيٍّ إقليميٍّ في المنطقة, فنسأل الله أن يعجل بالفرج للسجناء، وأن يكفينا مغبةَ وشر هذا الحدث السياسي القادم قريبًا، والله أعلم.



 -  مثال المهدي:

ومن المنزلقات الخطيرة في الاعتماد على مسألة تواطؤ الرؤى - بدون مراعاة لضوابط التواطؤ - مسألة المهدي, ولتوضيح هذا نقول: قد يشتغل فكر بعض الناس بأشراط الساعة وخصوصًا ما يتعلق بالمهدي فيرى جماعةٌ منهم أن فلان بن فلان هو المهدي، ثم يحكمون بأن الرؤى قد تواطأت في شأن فلان وأنه المهدي، ويرتبون على ذلك الخطوات المتعلقة بهذا الأمر من بيعةٍ وغير ذلك، والخطأ هنا حصل من وجهين:

الوجه الأول:
 أن هذه الرؤى صريحةٌ واحتمال كونها من حديث النفس واردٌ وبخاصّةٍ من جماعةٍ لها اشتغالٌ بأشراط الساعة وأخبار المهدي.

الوجه الثاني:
وقوع الخطأ في تفسير الوصف بالمهدي لشخصٍ في هذه الرؤى بأنه المهدي المنتظر الذي بشر به النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أن هناك احتمالاً بأن يُفسّر الوصف بالمهدي هنا بأن الموصوف رجلٌ منَّ الله عليه بالهدى، لا أنه المهدي المنتظر- كما تقدم الكلام عليه في قصة أبي عمر السيف - ومن كان يرى أنه المهدي[25].


وفي بعض الأحيان يرى أحدهم رؤيا أن فلانًا هو المهدي فيسمعها من حوله وقد تبلغ الآفاق فيرى الناس رؤى صريحةً مماثلةً أن هذا هو المهدي، وتكون رؤاهم هنا من قبيل حديث النفس؛ لأنها بُنيت على الرؤيا الأولى, وهذا كله لا يصح أن توصف فيه هذه الرؤى بأنها متواطئة, وكتمثيلٍ افتراضيٍّ لرؤى مرموزةٍ في هذا الشأن - المهدي - نقول: لو رأى شخصٌ في المنام نسرًا يطير، الجسم جسم نسر، والرأس رأس فلانٍ من الناس، فإن الرؤيا تدلُّ هنا - إن قُدِّر وقوعها - على أن هذا الرجل سيصبحُ ملكًا؛ لأن النسر ملك الطيور.

فإذا رأى شخصٌ آخر في هذا الرجل نفسه - على سبيل الافتراض - أنه يبولُ نارًا [26], فهذه الرؤيا تعني أنه سيصبح ملكًا له نفوذٌ وسلطان.

ولو قُدّر أن شخصًا ثالثًا رأى نفس الرجل - افتراضًا - رأى صورته في القمر واقفًا بزيٍّ معين, فهذه تعني - إذا كان الرائي رجلاً - أن هذا الرجل صاحب الصورة في القمر سيحصل بسببه منفعةٌ عامةٌ للمسلمين، أو أنه سيصبح ملكًا؛ لأن القمر يرمز للمَلِك - إذا كان الرائي رجلًا - بخلاف ما إذا كانت الرائية امرأةً فإنه قد يرمز للزوج أو للابن[27], ولو رأى شخصٌ رابعٌ في هذا الرجل نفسه - افتراضًا - أنه جاء وجلس على كرسي الملك في بلاده كما رأى الملك عبد العزيز أنه جاء إلى الشريف حسين وأنزله من على كرسيِّه ثم جلس عليه فكانت تعني أن الملك عبد العزيز يستولي على الحجاز[28]؛ فإن الرؤيا ههنا يكون معناها أن هذا المرئي يستولي على الملك في بلد الرائي.

حينما تأتي رؤى مرموزة على هذا النحو - إن قُدّر وقوعها - فإنه يمكن الحكم بأنها قد تواطأت على أن هذا الرجل سيصبح ملكًا، وكلما ازداد عدد الرؤى قوي الحكم بهذا، ولكنها مع ذلك لا تدل بمجردها أنه هو المهدي، فإن انضم إلى هذه الرؤى المرموزة رؤى أخرى - ولو كانت صريحةً في الدلالة على أنه المهدي - فيمكن الحكم عندها بذلك؛ لأنها قد تواطأت في كونه يملك وأنه المهدي، ولكن يجب التثبت هنا من الذين رأوا هذه الرؤى ومعرفة أحوالهم من الصدق والكذب، وهل يمكن أن يكذبوا ويختلقوا رؤى مثل هذه الرؤى؛ فإن هناك من لا يتورع عن الكذب في الرؤيا, وكذلك فإنه ينبغي أن تُعرض الرؤى - وإن كانت مرموزة - على المعبرين الذين يُشهد لهم بالعلم والتخصص في هذا الشأن؛ لأن المعبر الواحد قد يخطىء في التعبير، لكن إذا اتفق جماعةٌ من المعبرين على التعبير - ومنهجهم وأصولهم في التعبير متفقة - كان هذا أبعد عن الوقوع في الخطأ في مسألةٍ خطيرةٍ كهذه. وأيضًا فإنه يجب ألا تخالف الرؤى المتعلقة بالمهدي ما دلتْ عليه النصوص الشرعية في أنه حينما يظهر ويبايع له لا يكون هناك حكمٌ قائمٌ مستقِرٌّ، بل يكون الناس فوضى لا رأس لهم فإنه متى ما جاءت رؤى مخالفة لما دلتْ عليه النصوص عرفْنا أنها ليستْ صحيحةً ولا صادقةً وأنها قد تكون من حديث النفس أو وقع الخطأ في تعبيرها وأن دعوى التواطؤ فيها غير صحيحةٍ ولا تنطبق عليها الضوابطر التي ذكرناها، وإلا وقعنا في فتنٍ مشابهةٍ لما قد وقع سابقًا في فتنة جهيمان عام 1400هـ.





المحكم والمتشابه من الرؤى:


كما أن من النصوص الشرعية ما هو محكمٌ وما هو متشابه, والمحكم: هو الذي لا يحتمل أكثر من وجه في التفسير، والمتشابه هو المحتمل لأكثر من وجه في التفسير، وطريقة الراسخين في العلم أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، كذلك الرؤى منها ما هو محكمٌ ومنها ما هو متشابه، والمحكم من الرؤى هو الذي لا يحتمل أكثر من وجهٍ واحدٍ في التفسير والتعبير، بخلاف المتشابه؛ فإنه يحتمل وجوهًا متعددةً في التفسير.

والرؤيا كلما كانت قصيرةً ورموزها قليلةٌ كانت واضحةً عند المعبر، ولا يقع الاختلاف فيها بين المعبرين, فهذا النوع من الرؤى هو بمثابة المحكم، أما إذا كانت الرؤيا طويلة و رموزها كثيرة فإنها تكون محتملة لأكثر من وجه في التعبير، وقد تلتبس على بعض المعبرين، ويقع الخلاف فيها بين أهل التعبير، وهذا النوع من الرؤى هو من قبيل المتشابه، وقد يجتمع لدى المعبر أكثر من رؤيا في قضية واحدة فيرد المتشابه منها إلى المحكم، و المتشابه هنا يحتمِلُ أن يكون من الاضغاث أو من حديث النفس أو مما وقع الخطأ في تعبيره، ويُعرَف هذا من خلال الرد إلى المحكم من الرؤى الذي لا تتطرق إليه مثل تلك الاحتمالات ، وإذا تواطأت مجموعة من الرؤى على معنى واحد، فإنها تكون محكمة في الدلالة على هذا المعنى، وما يأتي من رؤى مما يدل على خلاف هذا المعنى فهو متشابه قد يتطرق إليه الاحتمال بوقوع خطأ في التعبير  - إن كانت الرؤيا صحيحة-، أو احتمال كونها من حديث النفس أو الأضغاث، وربما ظن الظان أنها رؤيا صحيحة و صادقة وهيَ ليستْ كذلك.

والخلاصةُ أنَّ الرؤى التي تواطأت في دلالتها على قضية أو موضوعٍ معين هيَ من قبيل المُحكم , وأيُّ رؤيا تدلُّ على خلافِ ما دلَّت عليه هذه الرؤى المتواطئة فإنها من قبيل المُتشابه تُطَّرَحُ ولا يُلتفتُ إليها , لأنها قد تكونُ حديثَ نفسٍ أو من الأضغاثِ أو وقعَ الخطأُ في تعبيرها, والمعتبرُ في التواطؤ ما بيّناهُ سابقًا من الضوابط التي لا بُدَّ من مُراعاتها فيه , فمتى ما راعينا هذهِ الضوابط سلمنا من الوقوعِ في الخطأ ,وسلمنا مما يترتبُ على هذا الخطأ من مفاسد وشرور وفتن , والله المستعان.







 أحداث الحرم المكي عام 1400هـ:

في شهر محرم من عام 1400هـ وقعت أحداث الحرم المتعلقة بفتنة جهيمان العتيبي - رحمه الله - والتي دخلت فيها هذه الجماعة إلى الحرم المكي الشريف وقامت بإعلان البيعة لـ "محمد بن عبد الله القحطاني" على أنه المهدي الذي بشر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الزمان، وظل الحرم نحوًا من خمسة عشر يومًا توقف فيها أداء الصلوات الخمس جماعة، والجمعة، والطواف؛ بسبب القتال الدائر ما بين أفراد هذه الجماعة وبين رجال الأمن حتى انجلت الفتنة وانتهت، وقُتل فيها من قُتل ومنهم: محمد بن عبد الله القحطاني - رحمه الله -[29] .

ترتبط هذه الفتنة في أذهان الناس بأمر الرؤى ارتباطًا كبيرًا، وأصيب الناس بصدمة كبيرة من جراء هذه الفتنة فيما يتعلق بالرؤى حتى أسقط كثيرٌ منهم مسألة العمل بالرؤى وتواطؤ الرؤى-، و لكن هناك من الناس من يعلم أن ما حصل لا يلغي الرؤى وما جعله الله لها من الأهمية والمكانة، ولا يلغي ما قاله علماء الإسلام في هذا الشأن والخصوص، وأن الخطأ في تطبيق أمر دل الشرع على اعتباره لا يعني إلغاء هذا الأمر وإهماله وإغفالَ فضلهِ وإسقاطَ مكانته , فكيف وقع الخطأ وحدثت الفتنة؟ إنني ومن خلال تتبعي لكثير مما قيل وكُتب في شأن هذه الفتنة يمكن أن أقول بأن سبب هذه الفتنة ومرده يرجع إلى رؤى كانت من قبيل حديث النفس؛ لأن هذه الجماعة التي كانت تدعى بـ "الجماعة السلفية المحتسبة"  كانت تشتغل بما يتعلق بالفتن وأشراط الساعة وأخبار المهدي, وقد تأكد لي هذا بما حدثني به أحد الإخوة الذين التقوا بأحد أفراد هذه الجماعة ممن سلم من القتل- وإن كان قد سُجن مدة ثم خرج من السجن-, حدثني نقلاً عن هذا الشخص وقال: كنا نجتمع في بعض النواحي داخل وخارج المدن ندرس ونطلب العلم الشرعي فترة من الزمان، ونقوم بالدعوة والنصح والتذكير, وكان ربما يزورنا بعض المشايخ؛ لإلقاء الدروس والمحاضرات.

 وفي ذات يوم قدم إلينا رجل من مصر ودخل معنا، ثم إنه بعد ذلك بأيام قليلة سأل عن محمد بن عبد الله القحطاني وقال: ماهو اسم هذا الرجل؟ فقلنا: محمد بن عبد الله, فقال المصري: لقد رأيت - وأنا في مصر - رسول الله-  صلى الله عليه وسلم- في المنام يشير إلى هذا الرجل ويقول: هذا المهدي, ففرحنا برؤية هذا المصري وقلنا: المهدي بيننا ونحن لا نعلم!! ثم بعد ذلك أصبحنا ننام فنرى في المنام - كلنا أو أكثرنا - أن محمد بن عبد الله القحطاني هو المهدي, فلما كثرت الرؤى بهذه الصورة؛ اعتقدنا ذلك وعملنا على التهيئة لهذا الأمر فكان ما كان. اهـ

هذا ملخص ما حدثني به هذا الشخص عن أحد أفراد هذه الجماعة وذلك في الجزء المختص بأمر الرؤى والذي توثقتُ منهُ.

لقد اختلفت روايات الناس في عدد الرؤى التي رؤيت في محمد بن عبد الله القحطاني وأنه المهدي, فمنهم من قال ثلاثة عشر ومنهم من قال أربعين وأقصى ما قيل إنها مئة رؤيا، ولاشك أن هذا العدد كبير وهو من الكثرة بحيث يبلغ مقدار الكم الذي يحصل به تواطؤ الرؤى، ولكن هل يمكن الحكم بأن هذه الرؤى كانت متواطئة؟ 

إن الخطأ الذي وقعت فيه هذه الجماعة مرده إلى أمرين:


1- اعتمادهم على تفسير الرؤى بأنفسهم والمعبر إذا سيطرت على ذهنه فكرة فقد يتأثر بها وتؤثر على تعبيره للرؤى وتصوره لها.

2- أن هذه الرؤى يغلب عليها حديث النفس، وبخاصة أنها رؤى جماعة واحدة،- وما ورد بعد ذلك من رؤى أشخاص قدموا من أقطار شتى كان مبنيًّا على ما تسامع به هؤلاء الناس من أن محمد بن عبد الله القحطاني هو المهدي- بناءً على الرؤى الأساسية التي رآها أصحابه وجماعته-؛ وبالتالي فقد انخرمت ضوابط تواطؤ الرؤيا في حق محمد بن عبد الله القحطاني وأنه المهدي؛ فالرؤى ليست مرموزة وإنما صريحة، وكذلك كانت بداياتها من جماعة واحدة اشتغلت بهذا الأمر والتفكير فيه- فهي من قبيل حديث النفس-، وكذلك لو قُدّر صحة أنها رؤى صحيحة صادقة فإنه لا يُسلّم بأن معنى وصف المهدي الوارد فيها هو المهدي الذي بشر به النبي- صلى الله عليه وسلم-، وكيف يُقبَل خبر رجل قادم من مصر حديثُ العهد بهم ولا يعرفونه من قبل؟ وتُقبَل دعواه في رؤياه النبي- صلى الله عليه وسلم- وما ذكره عن محمد بن عبد الله؟ وأما الرؤى التي بعد ذلك فلا يُعوّل عليها؛ لأنه يتضح تمامًا أنها من قبيل حديث النفس وكيف أنه لم يرَ واحد منهم قبل مجيء هذا المصري رؤيا واحدة تدل على أن القحطاني هو المهدي! فنحن نجزم ونقطع بأن هناك خللاً وخطأ وقع في تطبيق هذه الرؤى وأنه لم يتحقق وصف التواطؤ فيها    - على ماقدمناه وبيناه -، وأنها لو كانت صحيحة وصادقة لوقعت ولحدثت الآية التي أخبر بها النبي- صلى الله عليه وسلم- من التأييد للمهدي بالخسف بالجيش ولكن لم يكن من ذلك شيء، ولله الحكمة البالغة في تقدير هذا الأمر وحدوث هذه الفتنة؛ حتى تستفيد الأمة في مستقبلها من هذا الدرس وتحذر وتحتاط في تنزيل الرؤى على أشخاص لوصفهم بهذا الوصف- دون الرجوع إلى أهل العلم- وبخاصة في هذا الفن والشأن ،ودون مراعاة ضوابط تواطؤ الرؤى.


وأعيد وأكرر بأنه قد وردني من الرؤى ما يدل على أن هذه الفتنة سوف تتكرر ولا يلزم أن تكون بنفس الصفة التي وقعت بها في أحداث الحرم عام 1400هـ، بل قد تُدّعى المهدية لأناس خارج منطقة الحرمين أو قد تُدّعى الخلافة وانعقاد الإمامة العظمى لأناس- أيضًا -خارج هذه المنطقة، وكل هذا من الفتن التي نعوذ بالله من مضلاتها، ولقد حذرتُ من ذلك تكرارًا ومرارًا، ولكنّ قَدَر الله نافذ وستنتهي هذه الفتن القادمة كما انتهت التي قبلها سواء فيمن تُدّعى له المهدية، أو تُدّعى له الخلافة حتى يقيِّض الله خروج الخليفة الحق المهدي الذي يخرج ويُبايَع له في مكة- لا غير- كما بينته في موضع آخر[30].






الرؤيا تسر ولا تغر:


بعد هذا الذي قدمناهُ فإنَّ المسلم حينما تأتي رؤى يراها هوَ أو تُرى لهُ من قِبَلِ أشخاصٍ آخرين وتكون هذه الرؤى تحمل في طيّاتها الثناء عليه والمدح لهُ  فإنَّهُ يفرح بها ويحمدُ الله على هذا الفضل , لكنّه يحذر من أن يداخله العُجْبُ والغرورُ ؛ فلا يركن إليها ويدع العمل , بل تكون هذه الرؤى دافعًا قويًّا لهُ على الاستمرارِ في الطاعةِ والعمل الصالحِ حتى يختم الله لهُ بخير.

وأسوق هنا مثالين يعكسانِ كيفية تعامل علماء السلف مع الرؤى التي تُرى فيهم , وموقفهم منها.

من ذلكَ ما أخرج ابن عبد البر وغيره ، عن مصعب بن عبد الله الزبيري ، عن أبيه قال : كنت جالسًا بمسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع مالكٍ فجاء رجلٌ فقال: أيكم أبو عبد الله مالك ؟
 فقالوا : هذا ، فجاء فسلم عليه واعتنقه وقبله بين عينيه وضمه إلى صدره ,وقال: والله لقد رأيت البارحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا في هذا الموضع، فقال:هاتوا مالكا ، فأُتيَ بك ترعِد فرائصك ، فقال: ليس عليك بأس يا أبا عبد الله, وكناك وقال: اجلس , فجلست فقال:  افتح حجرك , ففتحت، فملأهُ مسكًا منثورًا, وقال: ضُمّهُ إليك، وبُثّهُ في أمتي.
فبكى مالك طويلًا وقال: الرؤيا تسر ولا تغر ، وإن صدقت رؤياك فهو العلم الذي أودعني الله[31].


وكذلك ما ذكره الإمامُ أحمد بن حنبل عن سفيان الثوري , حيث قال:
" كان سفيان الثوري إذا قيلَ له أنّهُ رُئيَ في المنام, قال: أنا أعرفُ بنفسي من أصحابِ المنامات"[32].


فهذا نموذج ينبغي أن يكون عليه المسلم حينما يحَمِل إليه بعض الناس رؤى رأوها فيه تدلُّ على فضيلة أو منقبةٍ أو تزكيةٍ؛ فإنَّهُ لا يغتر بذلك , فهو أعلم بنفسه وما عندهُ من الذنوب والمعاصي والتقصير في طاعة الله مما لا يعلمهُ هؤلاء الذين أراهم الله هذه الرؤى.

وهي إذا كانت رؤى صحيحة وصادقة فلن تزيد صاحبها إلّا إيمانًا وعملًا صالحًا ؛ فقد كان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبشرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأنهم من أهل الجنّة - وهذا التبشير وهذا الخبر منه- عليه الصلاة والسلام- أصدقُ وأبلغ من الرؤى-  ومع ذلك لم يداخلهم من سماع هذه البشائر الصادقة الغرور والعُجْب , بل كانوا عاملينَ صادقين يخشون عاقبة الذنوب والمعاصي , ويخشون من النفاق ولا يأمنون مكر الله -سبحانه وتعالى-, فإذا كان هذا هو تعاملهم مع خبر الصادق المصدوق- صلى الله عليه وسلم- فكيف يكون التعامل مع رؤى قد تُصيب وقد تُخطئ ؟
حتى لو تواترت وتواطأت وكانت صحيحة وصادقة فإنَّ المسلم يكون على حذر ويكون لسانُ حاله ومقالهِ كما قال الإمام مالك رحمه الله "الرؤيا تسر ولا تغر".







الرؤى جند من جند الله:


ذكر الذهبي- رحمه الله- في أواخر ترجمة الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- كلامًا نفيسًا قال فيه: " ولقد جمع ابن الجوزي فأوعى من المنامات في نحو من ثلاثين ورقة، وأفرد ابن البناء جزءًا في ذلك، وليس أبو عبد الله ممن يحتاج تقرير ولايته إلى منامات ، ولكنها جند من جند الله ، تسر المؤمن ولا سيما إذا تواترت .[33]"

وهذا الكلام يشعرك باهتمام أهل العلم بالرؤى والمنامات، فانظر كيف جمع ابن الجوزي عددًا منها تدل على إمامة وفضل الإمام أحمد، وكذلك كيف فعل ابن البناء، ثم انظر كيف وصف الذهبي الرؤى بأنها من جند الله وتأكيده ذلك عندما يقع التواطؤ والتواتر فيها, فمن مشى في هذا الطريق واعتنى بالرؤى فله سلف ليس بمبتدعٍ   ولا ضال، ولكن الشأن- كل الشأن- في أن يكون ذلك ضمن الحدود التي رسمتها الشريعة، والله الموفق للهدى والصواب.




يتبع..




[1] سورة يوسف, آية:42.
[2] أخرجه الترمذي في (الجامع) , (أبواب الصلاة , باب ما جاء في بدء الأذان), (1/358-359 / رقم :189) , وإسنادهُ صحيح , انظر تخريجهُ (الموافقات) للشاطبي ج:4 , ص:467.
[3] رواه البخاري برقم (2015), انظر (فتح الباري بشرح صحيح البخاري),ج:4 -ص:256.
[4] تقدم ذكره عند الكلام على مبحث (أحكام العمل بالرؤويا-لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق).
[5] انظر (فتح الباري بشرح صحيح البخاري),ج:12 -ص:380.
[6] انظر (فتح الباري بشرح صحيح البخاري),ج:4 -ص:257.
[7] انظر (نيل الأوطار) للشوكاني, ج:8 -ص:505.
[8] انظر (سبل السلام) للصنعاني, ج:4 -ص:153.
[9] انظر (إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام) لابن دقيق العيد, ج:2 -ص:249.
  [10]أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الشهادات/باب تعديل كم يجوز) 3/169 - انظر (منهاج السنة النبوية) لابن تيمية ,ج:3 ,ص:498.
[11] أخرجه أحمد في مسنده (ط. الحلبي) 3/416, 6/467 - انظر (منهاج السنة النبوية) لابن تيمية ,ج:3 ,ص:498.
[12] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب التعبير/باب المبشرات) 9/31 - انظر (منهاج السنة النبوية) لابن تيمية ,ج:3 ,ص:499.
[13] أخرجه الترمذي في سننه (كتاب الرؤيا/باب ذهبت النبوة وبقيت المبشرات) 3/364-365 انظر (منهاج السنة النبوية) لابن تيمية ,ج:3 ,ص:499.
[14] أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب البر والصلة والآداب/باب إذا أُثني على الصالح فهي بشرى ولا تضر) 4/2034-2035 انظر (منهاج السنة النبوية) لابن تيمية , ج:3, ص:500.
[15] رواه البخاري برقم (2015), انظر (فتح الباري بشرح صحيح البخاري),ج:4 -ص:256.
[16] انظر (منهاج السنة النبوية) لابن تيمية , ت:الدكتور محمد رشاد سالم, ج:3 ,ص:497-500.
[17] انظر (الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية) ,ص:86.
[18] سيأتي مزيد توضيح لهذه النقطة في كلام الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -.
[19] المقصود بهذه الشخصيات الغيبية ما ذكرهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - من أسماء بعض الناس الذين يكون خروجهم وظهورهم من علامات الساعة, كالسيفياني والقحطاني والمهدي والأصهب والأبقع والأعرج الكندي والجهجاه والفتى التميمي وغيرهم ممن وردَ ذكرهم في السنة النبوية.
[20] انظر (الروح) لابن القيم, ص: 9.
[21] رواه البخاري (كتاب التهجد/باب فضل من تعار الليل فصلى) 2/50 , انظر (مدارج السالكين) لابن القيم, ج:1 -ص:75.
[22] انظر (مدارج السالكين) لابن القيم, ج:1 -ص:75.
[23] المصدر السابق ,ص:75-76.
[24] (لقاء الباب المفتوح), لقاء رقم (41) للشيخ محمد بن صالح العثيمين (الرابط هنا).
[25] تقدم ذكره عند الكلام على مبحث : (قواعد اليقظة تختلف عن قواعد المنام) , ص:11.
[26] انظر (كشف اللثام عن الرؤى والأحلام) ، ص:99  فقرة (27) ، وكتاب( من رأى رؤيا فكانت كما رأى)، ج:1- ص:139.
[27] ومن هنا يتبيّن أن الرؤيا التي رأت امرأة فيها قمرين في السماء، وأن هاتفًا يخبرها أن أحدهما اسمه عبد القادر، والآخر عبد الباسط، وأن ضوءهما دخل إلى كل منزل... الخ الرؤيا الموجودة على اليوتيوب، رؤيا مختلقة ومؤلّفة ومكذوبة؛ لأننا لو قدّرنا أن القمر يرمز للملِك؛ فمعنى ذلك أنه سيكون في بلد الرائية نزاعٌ وانقسام، وبالتالي لا يمكن أن يصحّ اجتماعهما؛ لأن اجتماعهما سيترتبُ عليه فتنة، وإن فسّرنا القمر بأنه زوج، فلا يمكن أن يكون للمرأة زوجان في آن واحد، وإن فسّرناه بأنه ابن، فيمكن أن يكون لها ابنان، ولكن ليس لهما تلك الصفات الكثيرة التي أخبرت عنها الرائية في الرؤيا، وأنه يكون بعدهما رجلٌ يجمع الناس على كلمة لا إله إلا الله، حتى ظنّ بعضُ الناس أن هذا يرمز للمهدي! فالحذر الحذر من مثل هذه الرؤى التي لا يُعرَف أصحابها، والتي يتمُّ تركيبها بشكل متناقض يخفى على من لا علم عنده بالتعبير.
[28] انظر (من رأى رؤيا فكانت كما رأى)، ج:1 -ص:155 فقرة (200).
[29] راجع ما كتبه ناصر الحزيمي في كتابه (أيام مع جهيمان).
[30]  راجع ما كتبتهُ عن جماعة الدولة والخلافة الراشدة (سيتم نشره قريبًأ)
[31] انظر (شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك) , ج:1 - ص:56.
 [32انظر (الوافي بالوفيات) لصلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي , ج:15 -ص:175.
[33] انظر (سير أعلام النبلاء),ج:11- ص:353.

{ 1 التعليقات... read them below or add one }

  1. Top 10 Casino Apps - Casinoworld
    In septcasino.com this section 1등 사이트 we'll walk you through our selection septcasino of top casino apps, and hopefully you'll find www.jtmhub.com plenty of useful information on the top How do you use PayPal?Are there any deposit bonuses at your casino? wooricasinos.info

    ردحذف

- Copyright © مجالي البوق - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -